خيل إبليس

من طرف نهر الوفاء الثلاثاء 30 ديسمبر 2008, 8:40 am

حينما يحرم الفن على الإطلاق تغدو العقلية المحرمة عقلية لاتتجاوز فضاءها المكاني والمعرفي (الخاص) وغالبا ماتكون هذه العقلية منطلقة من مقولات جاهزة تبعدها عن الواقع مما يؤدي إلى الحكم الجاهز والتعميمي.
ودأب كثير من المنشغلين في التنظير الديني على تقديم رأي جماعي (من غير مراجعة) حول الفنون مجتمعة من غير فرز،ومن غير دراية بالأثر الذي يمكن أن يحدثه الفن في حياة الناس .
وحينما كان الشعر هو الوسيلة الوحيدة المؤثرة في الوجدان،لعب دورا بارزا في تعزيز القيم والمنافحة عن الأيدلوجيا التي ينطلق منها الشاعر،ومع تعدد الفنون تناوبت وتبودلت الأدوار في تعزيز القيم والاخلاق في مجتمعاتها،ولأن التحريم (المطلق) خلق ضمورا في كثير من الأدوات الفنية التي كان بالامكان الاستفادة منها في خلق ذائقة جمالية محبة للجمال (والجمال هنا ليس كما يتبادر لتلك العقلية التي تحصر الجمال في المرأة،بل جمال الأشياء وسموها )،هذا الرفض للفنون أدى إلى خلق ذائقة جافة لاتستشعر بالأبعاد الجمالية في الحياة.
كما أن صيرورة الحياة تخلق أدواتها الحياتية،فمع كل جيل تظهر أداة تواصلية بين أفراد المجتمع ومايحيط بهم،وقد دأبنا (محليا) على رفض كل أداة تواصلية حين ظهورها،والأمثلة كثيرة جدا،فمثلا كانت الدراجة الهوائية محرمة بحجة أنها خيل ابليس (!!)،وحرم التصوير الفوتغرافي،وحرم المذياع،وحرم التلفاز،وحرم الهاتف،وجملة من المحرمات،كان فيها حكم التحريم منطلقا من مرحلة آنية غير مستوعبة للتطور التقني الذي يجتاح العالم.
والملاحظ أن كل تحريم لايصمد طويلا مع مسيرة الحياة،فمع ظهور أداة جديدة يتم قبول ماتم تحريمه بالأمس والبدء في مناهضة الأداة الجديدة القادمة وتحريمها.
هذا التحريم يؤدي الى خلق اهتزاز نفسي لدى المتلقي لتلك الفتوى ويجعل مسألة التحريم مسألة متذبذبة غير واضحة المعالم.
ورفض السينما كأداة فنية تواصلية مثلا يجعل الأمر مربكا لدى هذا المتلقي الذي يستقبل في غرفة نومه ما يشاء من أفلام أو برامج لاتقف عليها عين المحرم.
فإذا جاءت المطالبة بصالات عرض سينمائية تمتص وقت الشاب والشابة من خلال أفلام تنمي الذائقة الجمالية غدت السينما شرا ومفسدة.
كيف تكون مفسدة،وفي بيت كل منا أجهزة تقدم لك كل المفاسد إن أردت ذلك.
أخيرا الفن الراقي يربي نفسا راقية،ويذهب السلوكيات العشوائية،ربما يتم رفض هذه الجملة لمن لا يستهلك الفنون.